Masjid Agung Sumenep |
الشيخ سلطان العيد
وسوء الخلق يأخذ مظاهر عديدة، ويبرز في صور شتى ، اكتفي بذكر عشر منها:
1- الغلظة والفظاظة: فنجد من الناس من هو فظ غليظ ، لا يتراخى ولا يتألف لا يتكلم إلا بالعبارات النابية القاسية التي تحمل في طياتها الخشونة والشدة، والغلظة والقسوة، وصدق الله إذ يقول: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). وقد يصاحب ذلك عبوس الوجه وتقطيب الجبين، فبعضهم لا تراه إلا عابس الوجه مقطب الجبين ، لا يعرف التبسم واللباقة، ولا يوفق للبشر والطلاقة، بل إنه ينظر الى الناس شزراً ، ويرمقهم غيظاً وحنقاً، لا لذنب ارتكبوه ، ولا لخطأ فعلوه، وإنما هكذا يوحي إليه طبعه ، وتدعوه إليه نفسه ، يظن أنه بذلك يحترم وهذا الخلق مركب من الكبر وغلظ الطبع ، فإن قلة البشاشة استهانة بالناس، وذلك إنما ينشأ من الإعجاب والكبر.
2- مقابلة الناس بوجهين: فتجد من الناس من يظهر لجليسه الموافقة والمودة، ويلقاه بالبشر والترحاب، فإذا ما توارى عنه سلقه بلسان حاد، وشتمه وأقذع في سبه،.......، هذه الصفة من أخس الصفات ، وصاحبها من شر الناس وأوضعهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يلقى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» متفق عليه.
3- التهاجر والتدابر بين المسلمين، فبمجرد اختلاف يسير حول عرض من الدنيا لا يترتب عليه فساد في الدين عند ذلك تجد من يعطي ظهره لأخيه، ويهجره ويقطع أواصر المحبة والأخوة والقرابة قال النبي صلى الله عليه وسلم :«لا تباغضوا ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» متفق عليه. وإذا كان هذا الأمر مرفوضاً وقوعه بين عامة الناس ، فإن المصيبة تعظم ، والخطب يجل إذا وقع ذلك بين أهل العقل (والعبادة) ، فما يدمي الفؤاد ، ويدل على استحكام الغفلة وتمكن الشيطان أن تجد اثنين من أهل الفضل ، وممن يتسابق للمجيء الى المسجد، وقد يكونان ممن بلغ من الكبر عتياً ، ومع ذلك كله: تجدهما متهاجرين متقاطعين، لا يكلم أحدهما الآخر، ولا يسلم عليه بلا سبب يذكر، أو بسبب يسير جداً .
4- المن بالعطيه ونحوها: فمن الناس من إذا أعطى عطاء أو شفع في أمر ما ، أو بذل نصيحة أو أسدى معروفاً : أتبعه بالمن والأذى ، والإذلال على من أحسن إليه وذلك الصنيع خلق ساقط، لا يليق بأولي الفضل، قال تعالى :(ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) قال رجل لبنيه: إذا اتخذتم عن درجل يداً فانسوها. وقلا ابن عباس : لا يتم المعروف إلا بثلاث : بتعجيله ، وتصغيره، وستره ، فإنه : إذا أعجله هنّأه، وإذا صغره عظمه، وإذا ستره تممه. ومع أن المن وتعداد الأيادي ليس من صفات الكرام، إلا أن ذلك يحسن ويسوغ في حال المعاتبة والاعتذار.
5- سوء العشرة مع الزوجة: فهناك من يتعامل مع سائر الناس بأدب ورقة وأريحية، فتراه في المجالس بشوشاً، حسن الخلق ، ينتقي من الكلام أطايبه ، ومن الحديث أعذبه ، فإذا ما دخل المنزل تبدلت الحال، وذهبت وداعته، وتولت سماحاته، وحلت غلظته وبذاءته وفظاظته، فانقلب أسداً هصوراً على ،(زوجه الضعيفة المسكينة) فتراه يسيء الأدب معها ، وتصدر منه العبارات القاسية المؤلمة يحملها مسؤولية كل شيء، ويغلظ في عتابها عند أدنى خطأ، يهددها بالطلاق عند كل صغيرة وكبيرة، وربما قصر عليها في النفقة. ولا ريب أن هذا الصنيع دليل على ضعة النفس وحقارة الشأن وضعف الإيمان، وإلا فإن الحازم العاقل ذا الدين والمروءة يتودد لأهله، ويرحمهم، ويحسن معاشرتهم ، قال عليه الصلاة والسلام (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي وصححه. وفي المقابل : تجد أن بعض الزوجات لا تحسن التودد لزوجها، ولا تقوم بحقوقه كما أراد الله منها، بل تراها تسيء الأدب معه ، وترفع صوتها عليه، وتثقل كاهله بكثرة الطلبات، وتستنزف ماله بالإغراق في الكماليات، تراها كثيرة الشكوى والتأفف، تنسي معروفه وتذكر إساءته، لا يروق لها ما يفعله زوجها، وأما ما عند الناس فقد بلغ الغاية في الحسن، بل ربما عوقته وخذلته عن بره بوالديه، وأعانته على قطيعة الرحم، تفرق الأسر ولا تجمع ، فاللهم إنا نسألك العافية والسلامة. (فالحمد لله على كل حال ، وإنا لله وإنا إليه راجعون).
6- التقصير في حقوق الإخوان: فإن لهم حقوقاً كثيرة يحسن بالمرء مراعاتها والقيام بها، ويبقح به التفريط فيها والتهاون في أدائها، فمن مظاهر التقصير في حقوق الإخوان: - قلة تعاهدهم : فترى بعضهم لا يسأل عن إخوانه ورفقائه، ولا يحرص على زيارتهم وصلتهم ، ولا يسعى في تجديد المودة، قال ابن حبان رحمه الله : (الواجب على العاقل إذا رزقه الله ود امرئ مسلم صحيح الوداد، فحافظ عليه، أن يتمسك به، ثم يوطن نفسه على صلته إن حرمه ، وعلى الإقبال عليه إن صد عنه، وعلى البذل له إن حرمه ، وعلى الدنو منه إن باعده . - ومن التقصير إلا في حق الأخوان التنكر وقلة الوفاء فمن الناس من لا يعرف إخوانه في الرخاء ، فإذا ما وقع أخ له في شدة وضائقة، واحتاج لمعروفه ومساعدته: تنكر له وخذله ، وتسيء ما كان بينهما من مودة ومن التنكر وقلة الوفاء ما تجده عند بعض الناس، فما أن ينال عرضاً من أعراض الدنيا: كمال أو جاه أو منصب : إلا ويتنكر لأصحابه القدامى ، وينساهم أو يتناسهم ، وما هذا من أخلاق الكرام، قال بعضهم : (إن الكرام إذا ما ايسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن - ومن ذلك إيذائهم الأخوان في السفر: فالسفر يسفر عن أخلاق الرجال فبعض الناس إذا سافر مع أصحابه آذاهم، وأكثر الخلاف معهم، وسعى فيما يكدر عليهم ويعكر صفوهم، ومن الناس من لا يتكلم ولا يقترح وربما إذا استشير لم يشر، بل يترك الأمر لصحبه، فإذا أصابوا سكت ولم يثن عليهم ، وإذا اجتهدوا في أمر فأخطئوا، كأن يضلوا الطريق مثلاً ك أمطر عليهم وابلاً من اللوم والتقريع، وأصبح يكرر من أمثال قوله: لو فعلتم كذا وكذا لكان أنفع وأجدى ، ولو أنكم سلكتم الطريق الفلاني لما حصل ما حصل ، وهكذا.
7- إساءة الظن: وهي من الأخلاق الذميمة، التي تجلب الضغائن ، وتفسد المودة وتورث الهم والحزن، ولهذا نهى الله عنها فقال : (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعد الظن إثم) وفي الحديث المتفق عليه : «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث». فتجد من الناس من هو سئ الظن، يحسب كل صيحة عليه ، وكل مكروه قاصداً إليه، وأن الناس لا هم لهم إلا هو، وأنهم يكيدون له كيداً ويتربصون به الدوائر ومن صور سوء الظن عند بعضهم: - إذا رأى اثنين يتناجيان ظن أنه هو المقصود بالنجوى، وأنه لمتحدث عنه . - إذا سمع ذماً عاماً لخصلة من الخصال ظن أنه هو المقصود بالذم. - إذا كان هناك وليمة عند أحد أقاربه أو أصدقائه، فنسي صاحب الوليمة أن يدعوه: أساء به الظن، واتهمه باحتقاره وعدم المبالاة به، - إذا نصحه أحد ظن إن الناصح متغرض له، متعال عليه، متتبع لهفواته، يقصد تنقصه، ولذلك لا يقبل منه نصحاً ، فيستمر على عيوبه، ويبتعد عن كل من أراد نصحه. -إذا رأى أحداً يمشي حوله ظن أنه يراقبه ويترصد له. أيها الأخوة : حري بالمسلم أن يستعيذ بالله من وساوس الشيطان هذه ، وأن يمضي في سبيله ويحسن الظن بإخوانه المسلمين، وأن يحملهم على أحسن المحامل ولا يدخل في سوء الظن المذموم: الظن بمن أورد نفسه موارد الريب، أو الظن بعدو يخاف منه، فهذا من تمام الأحترار والأخذ بالحيطة . كما أنه ليس من الحزم ولا الكياسة في شيء : أن يحسن المرء ظنه بكل أحد، ويثق به ثقة مطلقة، فيبيح له مكنونه، ويطلعه على كل صغيرة وكبيرة من أمره، بل هذا سذاجة وجهل وغفلة.
8- المبالغة في اللوم والتوبيخ: وهذا يقع خاصة ممن لهم سلطة وتمكن، كالرئيس والمدير والمعلم والكفيل والوالد والزوج. فتجد الواحد منهم : يزبد ويرعد، ويطلق العبارات البذئية، ويبالغ في اللوم والتوبيخ، بمجرد خطأ يسير وقع من شخص تحت سلطته. وهذا الصنيع مما تكرهه النفوس، وتنفر منه القلوب، فالناس يبغضون من يؤنب في غير مواطن التأنيب ، وينفرون ممن يبالغ فيه دون ترو أو تؤدة ، فلربما استبان له فيما بعد أنه ليس على حق، أو أن هناك اجتهاداً صحيحاً من الطرف الآخر. ومن الأمثلة على ذلك : ما يقع من بعض المعلمين مع طلابهم ، حيث يبالغ في تقريع الطالب عند أدنى خطأ، بل وربما كان ذلك الخطأ غير مقصوداً أصلاً ، مما يسبب النفرة من المعلم والحرج للطالب، وقد يصيبه ذلك بخيبة أمل فيزهد في التعلم ودور العلم. وقل مثل ذلك فيما يقع بين الأصحاب والأقارب، فقد يمضي على أحدهم زمن طويل لم ير صاحبه أو قريبه فإذا ما رآه ابتدره باللوم، وأنبه على غيابه وقلة اتصاله وهذا الأمر . وإن كان دليلاً على المحبة إلا أنه سبب للقطيعة والفرقة لأن الناس لا يحبون أن يحملوا كل شيء ، وأكثرهم لا يتحمل أدنى عتب أو لوم، ثم إن هذا الذي يلوم غيره ينسى أنه يمكن أن يوجه نفس اللوم إليه.
9- الفخر بالنسب : فهو خلق جاهلي، ذمه الإسلامي ومقت أهله، وحذر من صنيعهم . فالفخر بالنسب والترفع على الناس لأجله : عنوان سفه العقل ، وآية دنو الهمة، إنما الفخر كل الفخر بتقوى الله عز وجل ، وبالترقي في مراتب الكمال ومدارج الفضيلة: لقد رفع الإسلام سلمان فارس كما كما وضع الكفر الشريف أبا لهب. فكم من الناس من يفاخر بنسبه، ويترفع على من سواه، ويعقد الولاء والبراء للنسب ، مع أن الله عز وجل يقول في محكم التنزيل (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، فبين الله الحكمة من جعلهم شعوباً وقبائل ألا وهي التعارف لا التفاخر، ثم بين معيار التفاضل بين الناس (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فليس التفاضل بالجنس أوا للون أو العرق أو البلد: إنما هو بالتقوى. قال ابن حزم بعد أن تحدث عن الإعجاب بالنفس ، وذكر شيئاً من أنواعه: (وإن أعجبت بنسبك فهذه أسوأ من كل ما ذكرنا ، لأن هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلاً في دنيا ولا آخرة، وانظر : هل يدفع عنك جوعه، وأو يستر لك عورة، أو ينفعك في آخرتك. قال بعضهم أيها الطالب فخراً بالنسب إنما الناس لأم ولأب هل تراهم خلقوا من فضة أو حديد أو نحاس أو ذهب أو ترى فضلهم في خلقهم هل سوى لحم وعظم وعصب إنما الفضل بحلم راجح وبأخلاق كرام وأدب ذاك من فاخر في الناس به فاق من فاخر منهم وغلب
10- الغيبة : تلك الخصلة الذميمة، التي لا تصدر إلا من نفس ضعيفة دنيئة والغيبة هي كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : «ذكرك أخاك بما يكره » والمغتاب يريد التسلق على أكتاف الآخرين، وذلك بالحط من أقدارهم ، وتزهيد الناس بهم، وما علم هذا المغتاب أن الرافع الخافض هو الله عز وجل ، وأنه بصنيعه هذا يهدي حسناته لمن يقع في أعراضهم. أين هذا المغتاب من قول الله جل جلاله: (ولا يغتب بعضكم بعضاً ، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) ، بل أين هو من أهل الجاهلية التي كان أشرافها يتمدحون بترك الغيبة. قال أحدهم: لا تراني راتعاً في مجلس في لحوم الناس كالسبع الضرم واعلم أن الغيبة لا تقتصر على اللسان فحسب ، بل قد تكون ا لإشارة بالعين أو اليد أو اللسان. أما أسبابها فكثيرة، منها : التشفي من الآخرين، ومجاملة الأقران والرفقاء ، والحسد ، وكثرة الفراغ، والتقرب من أصحاب الأعمال والمسؤولين عن طريق ذم العاملين، ومن أسبابها: الإعجاب بالنفس ، والغفلة عن التفكر في عيوبها، وأعظم أسبابها: قلة الخوف من رب العالمين. وإن مما يزيد الأمر سوءاً : أن تجد الغيبة آذاناً مصيخة، وأفئدة مصغية، فمن كان كذلك، فليعلم أنه مشارك للمغتاب في فعله المشين هذا، ومن اغتاب الناس عندك اغتابك عند الناس. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
http://jomah.almenhaj.net/subject.php?linkid=2889
http://jomah.almenhaj.net/subject.php?linkid=2889
Artikel Terkait
Posted by 23:38 and have
0
komentar
, Published at
No comments:
Post a Comment